وكالة مهر للأنباء - عبادة أمين: انّ الكيان الصهيوني رغم ما يبدو عليه من قوّة إستثنائية في مجالات عديدة وفِي مقدّمتها المجال العسكريّ والإقتصاديّ، وما يتمتّع به من دعم دولي غير مسبوق، إلا أنه يعاني من العديد من التحدّيات والمخاطر الاستراتيجية حيث نلاحظ بعد ٧٢ عامًا من نشاة هذا الكيان على أرض فلسطين، إشارات وعلامات من داخله، تدلّ بقوة على امكانية قرب تفكّكه وقرب زواله.
ربما تمتلك إسرائيل منظومة من الأسلحة التدميرية المخيفة تمكنها من تحقيق توازن كبير مع كل الأنظمة العربية سواء على المستوى النووي أو الأسلحة الإستراتيجية وتجعل من تأثير هذه الأسلحة على القرار العربي مرتكزاً أساسياً في عقيدتها الأمنية وهي ما تعرف بقوة الردع لكن هذه العقيدة فشلت تماماً مع المجموعات والقوى العسكرية الفلسطينية وظلت هذه الأسلحة عاجزة عن ردع الفلسطينيين وردع محور المقاومة الذي له دور كبير في إظهار هشاشة هذه القوة الصهيونية وأكدت القوة الفلسطينية المقاومة ومعها محور المقاومة أن هذا الكيان بمثابة " بيت العنكبوت ". في هذا السياق وبمناسبة الذكرى ال۷۲ ليوم النكبة اجرينا حواراً مع وزير الصحة الفلسطيني الأسبق وعضو مكتب العلاقات الدولية في حركة حماس الدكتور باسم نعيم. فيما يلي نص الحوار:
۱. هل تعتقد ان الكيان الصهيوني تمكن من تحقيق مشروعه لشطب وتهميش القضية الفلسطينية على مدار العقود الماضية؟
أولا. رغم كل المخططات الشيطانية والمدعومة من دول الإستعمار الكبرى، على مدار عقود، لشطب الوجود الفلسطيني وخاصة على ارض فلسطين، فشل الكيان في تحقيق ذلك، ولازال الشعب الفلسطيني يتمتع بإصرار عنيد لمقاومة الاحتلال وتحقيق حلمه بالحرية والاستقلال، ويسلم ذلك من جيل الى جيل، رغم التضحيات العظيمة.
ثانيا. يعاني الكيان من تهديد وجودي على المستوى الديموغرافي، فرغم كل محاولات الطرد للفلسطينيين وتشتيتهم، وإستقطاب اكبر عدد من اليهود حول العالم، الا ان عدد الفلسطينيين اليوم على ارض فلسطين التاريخية يساوي او يفوق قليلا عدد اليهود، وفِي نفس الوقت بدأ الخزان البشري للصهاينة حول العام ينضب.
ثالثاً. آخر إنتخابات في الكيان كشفت عن تراجع كبير في القيادة ذات الطابع التاريخي والتي تتمتع بالرمزية الوطنية، لصالح قيادات "قزمية" تكبلها مصالح حزبية ضيقة وتستنزفها مصالحها ونزواتها الشخصية، وهذا المنحنى يتعمق يوما بعد يوم.
رابعاً. الجمهور الصهيوني داخل الكيان انزاح كثيرا، وبشكل متطرف، نحو اليمين، وهذا عزز الخلافات الداخلية وأبرز الوجه العنصري المتطرف للكيان، وأضعف قدرة أنصاره على تجميل صورته حول العالم. وكذلك أبرز بشكل جلي الشروخ المتعلقة بالهوية، حيث يحتدم صراع كبير داخل الكيان حول من هو اليهودي؟ وهوية المجتمع الصهيوني الذي أنشأه الآباء المؤسسون، وكلهم كانوا علمانيين.
اسرائيل كيان شاذ، ولا يملك أي مقومات الإندماج في المنطقة، فلا مشترك بينه وبينها، لا لغة ولا تاريخ ولا ثقافة ولا دين.
خامساً. رغم كل المحاولات المدعومة ماليا واعلاميا وديبلوماسيا لتسويق الاحتلال وتجميل صورته، وذلك من خلال السيطرة والسطوة الكاملة على وسائل الاعلام التقليدية، فان منصات الاعلام الجديد فتحت ثغرة في هذا الجدار العازل، وتمكنت الملايين حول العالم من رؤية حقيقة هذا الكيان الفاشية والعنصرية. هذا الامر انعكس بشكل ملفت على داعمي الكيان في الخارج، حيث نرى اليوم مجموعات كبيرة، بما فيهم يهود، يرفعون صوتهم عاليا ضد ممارسات الاحتلال الصهيوني ومناصرين للحق الفلسطيني.
سادساً. رغم الدموية والوحشية التي واجه بها الكيان مقاومة الشعب الفلسطيني منذ اليوم الأول، إلا أنّه فشل في كسر إرادة المقاومة لديهم والجهوزية للتضحية بكل شئ على هذا الطريق. فكان المخطط ان يتم قمع وسحق المقاومة واخماد نيرانها، ومع الوقت تنسى الأجيال اصل الحكاية، كما حصل مع السكان الأصليين في امريكا.
۲. ما هو تعليقك على ازمة الهوية التي يواجهها الكيان الصهيوني؟ وهل تمكن من تثبيت وجوده في المنطقة خلال ۷۲ عاما؟
لم ولن يتمكن الكيان من ترسيخ وجوده في المكان وما حوله، فهو نبته غريبة وكيان شاذ، ولا يملك أي مقومات الإندماج في المنطقة، فلا مشترك بينه وبينها، لا لغة ولا تاريخ ولا ثقافة ولا دين. وكل المحاولات التطبيعية على مدار عقود، رغم دعمها سراً وعلناً من بعض الأنظمة، باءت بالفشل، ولم تتمكن من تغيير قناعات الناس او تزييف وعيهم، وهذا ما لمسناه في ردة فعل الشعوب على بعض المسلسلات التطبيعية .
وان إستهداف الفلسطينيين خلال العقود السبعة الماضية لم يكن مجرد ردّة فعل أو نتيجة إحتياج عسكري، بل كان طرد الفلسطينيين وتطهيرهم عرقيا منهجاً استراتيجيا ومخططا معتمدا على أعلى المستويات القيادية ودون تمييز بين لون سياسي وآخر، وهذا ما أثبتته مئات الوثائق الصهيونية. وهذا نتج عنه تشريد ملايين الفلسطينيين وإستشهاد وجرح مئات الآلاف. ولعله لا يخلو يوم في أجندة الفلسطينيين من مجزرة أو جريمة إرتكبها الصهاينة بحقهم.
۳. ما هي انجازات المقاومة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي وسياسياته؟
لقد نجحت المقاومة الفلسطينية ومن ورائها المقاومة العربية والإسلامية من جبر الخلل الكبير على المستوى الرسمي، وإحداث التوازن المطلوب في الصراع مع المحتل. فالمخطط الأصلي كان ان يتمدد المحتل في المنطقة حتى يحقق حلمه بإنشاء "إسرائيل الكبرى" من الفرات الى النيل، ولكن حالة الرفض والمقاومة أبقته محصورا داخل فلسطين، وشغلته في الإستعداد الدائم للدفاع عن نفسه، مما إستنزف الكثير من طاقته ومصادره. كما أن المقاومة حولت قضية فلسطين من قضية شعب مشرد الى قضية شعب يسعى نحو الحرية والاستقلال. لا يمكن أن نتخيل شكل المنطقة والدمار الذي سيعيده الصهاينة فيها، لو لم يكن هناك مقاومة. لن تتمكن "إسرائيل" بإذنالله من تغيير الموازين لصالحها، فقد آن الأوان وشبت المقاومة على الطوق.
۴. كيف ترى مستقبل الكيان الصهيوني في ظل الدعم الغربي والمحاولات التطبيعية العربية؟
لا مستقبل لهذا الكيان في المنطقة، نبتة شاذه وكيان مصطنع، بدأ تستنفذ أغراض وجودها. لقد مرّ على فلسطين الكثير من الغزاة ولَم يتمكنوا من الإستقرار فيها، لان فلسطين ليست أرضا فقط بل هي عقيدة وهوية ووجود.
أمّا التطبيع بكل أشكاله جريمة لا تغتفر، وللاسف أنه مؤخرا مدعوم بقرارات عليا من بعض الأنظمة. أدرك العدو أن فشله ومعاونيه في المنطقة تحقيق الاختراق والتمدد المطلوب في المنطقة بعد توقيع اتفاقيات وعقد تحالفات مع بعض الأنظمة، سببه هو المقاومة الصلبة للشعوب لهذا الكيان الغاصب، وانه لتحقيق المطلوب لابد من العمل على تغيير موقف الشعوب وتزييف وعليهم، ولهذا توجهوا نحو التطبيع الثقافي والرياضي والأكاديمي، لانها الوسائل الأقرب لحس الشعوب وفهمهم. قد يكونوا حققوا بعض النجاحات الهامشية، ولكنها لا تمثل حقيقة إرادة الامة وشعوبها، وستواجه بالرفض الشديد، وهذا ما لاحظناه مؤخرا عند بث بعض المسلسلات التطبيعية في شهر رمضان المبارك. وهذه الأنظمة التي تدعم وتمول هذه الحراكات المصطنعة، تعلم يقينا أن شعوبها لا تقبل بذلك وسترفضه، ولو كانت تمتلك الشرعية المطلوبة، فلتسمح لشعوبها بالتعبير بحرية عن موقفها من هذه السياسة والعلاقة مع العدو.
۵. هل تعتقد ان نقل السفارة الصهيونية الى القدس من شأنه تغيير المعادلات السياسية؟
لا نقل السفارة ولا أي إجراء يمكن ان يقلب المعادلة لصالح الكيان أو يعطيه الشرعية، طالما ان شعبنا الفلسطني واحرار الامة يرفضون هذا الإجراء. الصليبيون مكثوا في القدس حوالي مائتي عام وحولوا المسجد الأقصى الى إسطبل خيل وامتلأت ساحاته بدماء الشهداء من المسلمين، وفِي النهاية تم طردهم الى غير رجعة، وهذا سيكون مصير الاحتلال الصهيوني عاجلا أم آجلا.
تعليقك